وقد بينا معنى {أعوذ} في أول كتابنا.وفي {الفلق} ستة أقوال.أحدها: أنه الصبح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والقرظي، وابن زيد، واللغويون قالوا: ويقال: هذا أبين من فَلَق الصبح وَفَرَقَ الصبح.والثاني: أنه الخَلْق، رواه الوالبي عن ابن عباس. وكذلك قال الضحاك: الفَلَق: الخَلْق كلُّه.والثالث: سِجْن في جهنم، روي عن ابن عباس أيضاً.وقال وهب والسدي: جُبٌّ في جهنم. وقال ابن السائب: وادٍ في جهنم.والرابع: شجرة في النار، قاله عبد الله بن عمرو.والخامس: أنه كُلُّ ما انفلق عن شيء كالصبح، والحَبُّ، والنَّوى، وغير ذلك. قاله الحسن. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق، كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر.والسادس: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي.قوله تعالى: {من شر ما خلق} وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر: {خُلِق} بضم الخاء، وكسر اللام. وفيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه عام، وهو الأظهر.والثاني: أن شر ما خُلِق: إبليسُ وذُريته، قاله الحسن.والثالث: جهنم، حكاه الماوردي.وفي {غاسق} أربعة أقوال.أحدها: أنه القمر، روت عائشة قالت: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب، رواه الترمذي، والنسائي في كتابيهما. قال ابن قتيبة: ويقال: الغاسق: القمر إذا كسف فاسودَّ. ومعنى {وقب} دخل في الكسوف.والثاني: أنه النجم، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.والثالث: أنه الليل، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والقرظي، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، والزجاج. قال اللغويون: ومعنى {وقب} دخل في كل شيء فأظلم. والغسق الظلمة. وقال الزجاج: الغاسق: البارد، فقيل لِلَّيل: غاسق، لأنه أبرد من النهار.والرابع: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام، والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.فأما {النفاثات} فقال ابن قتيبة: هن السواحر ينفثن. أي: يَتْفُلن إذا سحرن، ورَقَيْن. قال الزجاج: يَتْفُلْنَ بلا ريق، كأنه نفح. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: تفسير نَفَثَ: نَفَخَ نفخاً ليس معه ريق، ومعنى تفل: نفخ نفخاً معه ريق. قال ذو الرُّمَّة:ومن جَوْفِ ماءٍ عَرْمَضُ الحَوْلِ فَوْقَهُ *** متى يَحْسُ منه مائِحُ القومِ يَتْفُلِوقد روى ابن أبي سُرَيج {النافثات} بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها. وقال بعض المفسرين: المراد بالنَّفَّاثات هاهنا: بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.{ومن شر حاسد} يعني: اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا حدَّ الحسد في [البقرة: 109] والحسد: أخس الطبائع. وأولُ معصية عُصِيَ الله بها في السماء حَسَدُ إبليس لآدم، وفي الأرض حَسَدُ قابيلَ هَابيلَ.